الأنشطة

كلمة الأستاذ إدريس شحو
منذ يوم
كلمة الأستاذ إدريس شحو
 
أيها الحضور الكرام
 
أتشرف بأن أقدم بين يديكم المواد المتعلقة بالجغرافيا والعلوم الطبيعية، الواردة في هذا العدد 32 من معلمة المغرب. وقد كان الأولى أن يقدمها صاحب الشرف المغفور له سيدي إدريس الفاسي، الذي توفاه الله تعالى، ولم يغادر هذه الدنيا إلاَّ بعد أن راجع معي هذه المواد التي ناهزت 25 مادة. أذكر بأنه قد أتم السنة منذ أن وافته المنية رحمه الله، حيث التحق بالرفيق الأعلى يوم 29 أبريل 2024، والآن نحن في 17 ماي 2025. أجل عام مضى على وفاته... لقد كان له الفضل علي، إذ قدمني وألحقـني بهذه اللجنة للاشتغال معه ومع الإخوة الآخرين، الساهرين على هذا الورش الكبير المفتوح "موسوعة معلمة المغرب". فهو الذي درج على تقديم هذه المواد المتعلقة بالجغرافيا والعلوم الطبيعية في كل الأعداد الصادرة ؛ لكن غيبه الموت... ولم تغب روحه.. ولم يغب عطاءه..
فهو يعتبر من المؤسسين لهذا العمل موسوعة "معلمة المغرب" ؛ إذ رافقه تحريراً وإسهاماً منذ أربعين سنة خلت؛ فرحمتك ربي للأستاذ الفاسي، الذي شهد لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة.. ومات على ذلك.
أيها السادة الأعزاء
أتقدم بمواد الجغرافيا والعلوم الطبيعة التي قسمتها إلى ثلاث مجموعات:
ـ المجموعة الأولى : تتعلق بالتراث الطبيعي والسياحي بالمغرب.
ـ المجموعة الثانية : التراث البشري بالمغرب. 
ـ المجموعة الثالثة : تتعلق بما أسميته بالمغرب الحديث.
لا يفوتني قبل أن أبدأ بتناول هذه المواد، أن أشير إلى أننا من خلال المعلمة، نرصد التراث الطبيعي والبشري لهذا الوطن العزيز، ونسهر على التعريف به. وبما أنني مكلف بهذا الشق، ألفت انتباهكم إلى أن المغرب يشكل استثناء بكل المقاييس على المستوى البيئي... فنحن ننتمي إلى البلد الذي يُـعتبر الأشد تنوعاً وغنىَ على مستوى الشمال الإفريقي... فالمغرب تهيكله ثلاث سلاسل جبلية تشغل حوالي 147 ألف كلم مربع، ويحده بحر، ومحيط، والصحراء في الجنوب، مما جعل منه جوهرة وكنزا طبيعيا وبشريا لا نظير له. أجل، نحن نمتلك الغابات الأجمل والأوسع، إذ تصل مساحتها 9 مليون هكتار... هذه الغابات والجبال والبحار منحتنا عمقاً زراعياً يمتد على مدى 1000 كلم، من طنجة إلى أﮔـادير.
فنحن الأوفر حظا والأغنى من حيث التراث البيئي والطبيعي، بفضل هذه الجبال التي تستقطب التساقطات المطرية المتسللة من الواجهة الأطلنتية، فتتيح موارد مائية وفيرة تروي المغرب ذات اليمين وذات الشمال. وذلك من خلال أنهار كبرى ووسطى وصغرى تغذي القسم الشمالي الغربي منه، على غرار: نهر سبو، نهر أم ربيع، نهر اللوكوس، تانسيفت، سوس، ورغة... وأخرى تروي الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية كواد ملوية، واد زيز، واد درعة، واد غريس... وكلها تنبع من جبال الأطلس والريف، فتوزع الخصب والنماء بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، جاعلة من المغرب استثناء بيئياً لا مثيل له.
ولئن كان المعدل الوطني للتساقطات عندنا لا يتجاوز 300 ملم، فإن هذه العاليات جعلت المغرب يحظى بتنوع بيئي وحيوي فريد، إذ وراء كل قمة أو ربوة أو أكمة، أو في بطون الأودية والمنخفضات... يمكن أن نصادف نظاما بيئيا فريدا يعكس ثراء طبيعيا أو حيويا لا نظير له. ولذلك حُــقَّ لنا أن نفتخر بهذا الوطن في عمقه التاريخي الذي أُسْنِدَ لإخوة آخرين من ذوي التخصص ؛ وفي بُعده الجغرافي والطبيعي الذي توليت الإشراف عليه.
وتتناول المواد الجغرافية والطبيعية التي وردت في العدد 32 من المعلمة، مواضيع جوهرية واستثنائية بالنسبة للمغرب، بل وبالنسبة للشمال الإفريقي والمتوسطي والعالمي أيضا.
1- التراث الطبيعي والسياحي
- غابة أرﮔـان تسيلي : فيما يتعلق بالكتلة الأولى من المواد التي كرسناها للتراث الطبيعي والسياحي، أخذنا كمثال "تشكيلة أرﮔـان تسيلي"، المعروفة محليا بـ "ارْﮔنات بوشكال". وهي عبارة عن غابة صغيرة جدا لشجر أرﮔـان ؛ توجد على أبواب الرباط، وأنا متأكد أن %99 من الحاضرين لا يعلمون وجود هذه التشكيلة الغريبة، باعتبار أن أرﮔـان يرتبط في أدهانهم بحوض سوس وسفوح الأطلس الكبير الغربي والأطلس الصغير الشمالي الغربي، وهي المناطق التي تؤوي 870 ألف هكتار من شجر أرﮔـان، الذي هو نوع متوطن قبيس Endémique ولا نظير له في العالم. وتنعت هذه التشكيلة بكونها تعتبر غابة بستان Forêt-verger بالنظر لكونها غابة تلقائية نمت بشكل طبيعي ؛ ثم هي مُثمِرةٌ تعطينا ثمارا تشبه اللوز، ويستخلص منها واحد من أجود أنواع الزيوت في العالم "زيت أرﮔـان". فغابة أرﮔـان تغطي مجالا يُفترَض أنه صحراوي، لولا جبال الأطلس التي شكلت درعاً واقياً أنشأ هذه البيئة، وصنع هذه التوازنات البيئية الاستثنائية. هذه الغابة يوجد لها نظير في واد ﮔـرو الأوسط على مقربة من العاصمة الرباط، محتلة حوالي 1000 هكتار من شجر أرﮔـان ؛ مما أدى إلى تصنيفها كموقع ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية Site’Intérêt Biologique et Ecologique. لذا استحق هذا المكان أن يُعَرَّف به ويُكتَبَ عنه ؛ مما سيشكل تثمينا له، في إطار ما يسمى يالسياحة الإيكولوجية لفائدة المنطقة والأهالي.
- منتزه أقشور ومنتجع کابو نیـﮔرو : من المواد التي وردت في هذه الكتلة أيضا، وهي ذات بعد طبيعي سياحي، منتزه أقشور ومنتجع کابو نیـﮔرو. وهنا فإننا نتحدث على شمال المغرب الجميل ؛ هذا الشريط الساحلي الممتد من طنجة حتى الحسيمة، والذي نُطلق عليه عدوة الأندلس الجنوبية، في مقابل عدوة الأندلس الشمالية (إسبانيا حاليا) التي طرد منها مليوني أندلسي، أوروبي مسلم. لقد طردوا ابتداء من سنة 1492 وما بعدها، واستقروا في شمال المغرب، حيث صنعوا أندلساً تذكرهم بذكرياتهم وديارهم وفردوسهم المفقود. وكما تعلمون فإن مؤسس مدينة شفشاون مثلا يسمى أبو الحسن علي بن راشد العلمي، وهو أندلسي موريسكي. ولعلكم مثلي شاهدون على التحول الذي يعرفه الشمال المغربي، والذي ما انفك يجلب السياح من كل حدب وصوب (السياحة الوطنية والدولية)، مما دفعنا إلى اختيار بعض المواقع السياحية منه، مثل منتزه أقشور ذي البعد السياحي الإیکولوجی، ومنتزه كابو نيـﮔرو الذي يشكل فضاء مثاليا للسياحة الشاطئية.
- غابة بنسليمان : بخصوص الجانب الطبيعي أيضا، تم التطرق إلى غابة بنسليمان التي ليست إلاَّ امتدادا لغابة المعمورة الساحلية واطئة ؛ لا يوجد مثلها إلا في المغرب وهي غابة سهلية، وما أندر الغابات السهلية. لقد آوت شجر البلوط الفليني الممتد بين المعمورة وغابة بنسليمان، مما جعل الساحل، الأطلنتي من القنيطرة وحتى الدار البيضاء، ينعم بفضاء أخضر طبيعي. وهي فضلا عن ذلك غابة إنتاج وغابة وقائية Forêt de production et de protection ؛ وقد ساعدت على التثبيت البيولوجي لهذا المجال الهش بيئيا، بل وصنعت لنا تربة انطلاقا من تكونات رملية حمضية، وقبلت الاستبطان فوق تربات فقيرة. ولذلك فإن غابة البلوط الفليني هذه لا تستحق التقدير؛ بل تستحق التقديس لأنها قبلت بالعيش في أوساط فقيرة جداً. ثم أنها غابة المجالات الواطئة، علما بأن معظم غابتنا آوت وفرت إلى سفوح وقمم الجبال. وبالتالي فغابة بنسلیمان جديرة بأن يكرس لها ركن خاص في هذا العدد من المعلمة.
- سد بين الويدان : يعتبر هذا السد واحدا من أكبر السدود وأقدمها بالمغرب ؛ أسس سنة 1953 على نهر واد العبيد أحد روافد واد أم الربيع. وقد أُنشِئَ لري سهل تادلا الذي أصبح أول قطاع فلاحي عصري تمت تهيئته بشكل الحديث. وبالنظر للأهمية القصوى التي يكتسيها بالنسبة للاقتصاد المحلي والوطني، فقد استحق هذا السد أن يُدرج بالمعلمة.
- التفاح : يبدو الحديث عن فاكهة التفاح أمرا غير ذي جدوى ؛ والحال أننا لا نعلم بأن معظم أنواع التفاح المستهلكة محليا هي من الأنواع المستوردة، التي تم استزراعها في المغرب منذ الفترة الاستعمارية. مما أدى إلى التخلي عن الأصناف المحلية الأصيلة ؛ وهذا أمر يؤسف له، لأن في ذلك فقدان للتنوع البيولوجي الزراعي الوطني. من هنا، ولأجل إعادة الاعتبار للأصناف المحلية البَلْدِيَة (المغربية)، انبرى أحد المؤلفين المساهمين في المعلمة، للكتابة عنها في أفق اعتمادها من قِبَلِ المعنيين بتدبير الشأن الفلاحي في المغرب. نذكر في هذا السياق، بأن ثمة فواكه أخرى ذات أصل مغربي لقيت ذات المصير، مثل إجاص المعمورة الذي تم التخلي عنه لصالح أصناف دخيلة، ولم تُعطاهُ الأهمية التي يستحقها كتراث نباتي وطني...
- جيوبارك مـﮔون : من ضمن المحميات التي يعرف عنها المغاربة بعض المعلومات، نذكر المنتزهات الوطنية والطبيعية. بيد أن ثمة مفهوم جديد ظهر إلى الوجود يتعلق بما يعرف بالمنتزه الجيولوجي، المعروف اختصارا بجيوبارك Géoparc (جيو - منتزه). هذا النموذج الذي تم اعتماده من خلال جيوبارك مـﮔون الذي أنشئ في منطقة أزيلال، حيث تم العثور على الهيكل العظمي لديناصور فريد من نوعه. يعتبر هذا المنتزه الجيولوجي الأول من نوعه في إفريقيا؛ وقد أعطى قيمة كبرى للمنطقة مما جعلها قبلة للسياحة الجيولوجية Géotourisme والإيكولوجية والعلمية، التي تحفز الزوار على للمجيء لزيارة المنتزه، واكتشاف الهيكل العظمي للديناصور الذي عثر عنه بالمنطقة حيث أُقِيمَ له متحف خاص بمدينة أزيلال. 
- زلزال الحوز : يتعلق الأمر بالزلزال العنيف الذي يعتبر من أخطر الكوارث الطبيعية التي هزت منطقة الأطلس الكبير الغربي في الثامن من سبتمبر 2023، مخلفة خسائر جسيمة في الأرواح والمنشآت. وبالنظر لروح المواطنة التي أبان عنها المغاربة، فقد حصل تضامن كبير حفز الناس على المساهمة المادية والمعنوية لفائدة الأهالي المحليين من أجل تجاوز تلك المحنة الكبيرة.
II- التراث البشري بالمغرب
شملت هذه المجموعة الثانية عدة مواضيع منها سلالات أغنام المغرب (الصردي - بني ﮔيل - تيمحضيت)، وكذا مدن مغربية صاعدة (الفنيدق - المضيق - مارتيل)؛ فضلا عن جوانب بشرية أخرى عُنِيتْ بالتراث المادي (كاتدرائية القديس بطرس بالرباط)، واللامادي المتمثل في مدونة الأحوال الشخصية.
- سلالات أغنام المغرب (الصردي - بني ﮔيل - تيمحضيت) : هذه المادة تعرف ببعض أصناف الأغنام المحلية. فمن المعلوم أن كلا منا عندما يرغب في اقتناء كبش الأضحية في العيد الكبير (عيد الأضحى)، فإنه غالبا ما يختار أحد الأصناف التالية : الصردي ولعله أشهرها، يليه من حيث الأهمية نوع تيمحضيت، ثم صنف بني ﮔيل... علماً بأن هذه الأصناف تنتسب إلى سلالات مغربية قُـحَّة، بل هي قبيسة حتى، لكونها لا توجد في بلد آخر من العالم وباعتبار جودة لحومها. لذلك فهي حرية بالصون والتثمين، حتى لا تضيع أو تنقرض كتراث وطني نفيس، نتيجة منافسة الأصناف المستوردة من إسبانيا وأستراليا... التي باتت تغزو السوق الوطنية في السنوات القليلة الماضية.
- مدن الفنيدق والمضيق ومارتيل : يتعلق الأمر ببعض الحواضر الحديثة التي بزغت إلى السطح وباتت تشهد دينامية ملحوظة خلال العقود الأخيرة، هي عبارة عن مراكز حضرية صاعدة Villes émergentes تؤثث شمال المغرب الجميل، الذي أمسى يعرف تحولات سوسيو- مجالية هائلة. هذه المدن الناشئة، كانت بالأمس عبارة عن قرى صغيرة، وأصبحت الآن تتطور بوتيرة سريعة، نتيجة تطور القطاع السياحي بها، بما في ذلك السياحة الداخلية والدولية.
- كاتدرائية القديس بالرباط : عندما نزور العاصمة الرباط، لعل أول ما يلوح في الأفق بناية شامخة تحتل وسط المدينة، وتتمثل في كاتدرائية القديس بطرس التي هي عبارة عن كنيسة ضخمة تؤمها الطائفة المسيحية المقيمة في الرباط أو القادمة من مناطق مختلفة من المغرب. إن وجود هذه الكاتدرائية في قلب العاصمة السياسية للبلاد، لهو مؤشر حقيقي على روح التسامح التي تسود هذا الوطن العزيز، وينعم بها كل المغاربة الذين يعتبرون الكاتدرائية جزءاً من التراث الوطني المادي، ودلالة على الغنى الحضاري والثقافي، والتنوع العقائدي والديني بالمغرب. 
- مدونة الأحوال الشخصية : عرف المغرب تنظيم الأحوال الشخصية منذ بلوغ الإسلام إلى هذه الديار. بيد أنه وغداة فجر الاستقلال قرر المغفور له محمد الخامس سنة 1957 أن يمكن المغرب من مدونة أحوال شخصية تليق ببلد مستقل ومستقر، وذو هوية وطنية أصيلة. وهكذا استدعى زمرة من العلماء دونوا الأحوال الشخصية المتعلقة بأحوال الزواج وأحوال الطلاق والإرث... على نحو موافق لروح الشريعة الإسلامية، ومنفتح على روح الحضارة الحديثة والقوانين الدولية. لقد طفق المغاربة يعملون بها إلى حدود سنة 2004 عندما تم إصدار مدونة الأسرة التي مثلت مرحلة جديدة في سيرورة المغرب الحديث.
III- المغرب الحديث
بالنسبة لهذا العنصر الثالث والأخير، فإنه يتطرق إلى القفزة النوعية التي شهدها المغرب الحديث على المستوى المنجزات الكبرى خلال العقود الثلاثة الماضية، ولعل أبرزها قطار البراق، وترامواي الرباط، ومحطة نور ورزازات، وميناء طنجة المتوسط، المدينة الذكية بالمغرب ومعبر الـﮔرﮔـرات. 
- قطار البراق - ترامواي الرباط : هذا القطار المكوكي الذي تتجاوز سرعته 300 كلم في الساعة، أصبح معلمة مغربية متحركة تختزل الزمان، وتربط شمال المغرب بوسطه. يعتبر الأول من نوعه في إفريقيا والعالم العربي، كما يندرج ضمن الأوراش الملكية التي لها اليد البيضاء على هذا البلد. لقد تم تدشينه سنة 2018، مشكلا ثورة وطنية على مستوى النقل؛ حيث تمكن من نقل زهاء خمسة ملايين مسافر إلى حدود عام 2023، أي بمعدل مليون مسافر كل سنة. ومما لا شك فيه أن هذه الثورة ستتواصل في مجال النقل بتدشين الخط الجديد للخط السريع، الذي سينطلق من القنيطرة إلى مراكش، مرورا عبر محطات ستستفيد هي الأخرى من خدمات هذا القطار فائق السرعة.
في ذات السياق، وضمن المجهودات الجبارة التي يبذلها المغرب في تطوير قطاع النقل، تم تدشين ترامواي الرباط في 18 ماي 2011. هذه اللؤلؤة المتحركة التي صارت جزءاً من هوية عاصمة البلاد الرباط، ورمزا عصريا لها، إضافة إلى صومعة حسان بما هي رمز تاريخي حضاري. لقد تم التطرق إليه بشكل مفصل جميل، حيث كتبت عنه باحثة خصصت أطروحة دكتوراه كاملة لترامواي الرباط، واقتبست لنا من هذه الدكتوراه هذا الإسهام الذي سيخلد ترامواي الرباط.
- محطة نور ورزازات : عندما نذكر المغرب الحديث لابد من أن نتطرق إلى أحد الإنجازات الكبرى، التي خرجت إلى الوجود خلال العشرية الماضية من القرن الحالي؛ وتخص محطة نور ورزازات لتوليد الطاقة الشمسية، هذه المحطة التي تم تدشينها سنة 2016، تعد بحق فخر المغرب، إذ هي الأكبر من نوعها على المستوى العالمي؛ حيث تغطي مساحة شاسعة تمتد على ما يناهز 3200 هکتار. وتوفر الطاقة النظيفة بكلفة رخيصة، حيث تحقن في التيار الكهربائي الإجمالي الذي يعمل على تلبية الحاجيات الوطنية. ومما لا شك فيه أن لهذه المحطة ما بعدها، إذ خطط المغرب لإنشاء خمس محطات أخرى مثلها كمحطة بني مطهر، ومحطة ميدلت، ومحطة إفني... إضافة إلى المحطات الريحية التي أنشئت قبلها، والتي ستزود المغرب في أفق 2030 بحوالي %52 من حاجياته الطاقية؛ بدل الطاقات الأحفورية المكلفة والملوثة، المعتمدة الـﮔـزوال أو الفحم الحجري. وبذا يكون المغرب قد حقق قفزة تكنولوجية نوعية على الصعيد العالمي، إذ يعتبر من الدول العشر الأوائل التي تبنت سياسات رائدة فيما يتعلق بتطوير وتشجيع الطاقات البديلة النظيفة، شمسية كانت أو ريحية أو المائية القائمة على السدود.
- ميناء طنجة المتوسطي : لا يفوتنا في هذا المقام، أن نتحدث على مشروع ضخم جداً أقدم المغرب على تدشينه خلال العقدين المنصرمين، ويهم ميناء طنجة المتوسطي، الذي يندرج ضمن الموانئ العشرة الأولى عالميا. هكذا، وبعد أن انطلق كفكرة بسيطة في البدء، أصبح الآن معلمة وطنية كبرى يحق للمغرب أن يفتخر بها. لقد أصبح نموذجا يستلهم لدى عديد من البلدان؛ ونظراً للنجاح الكبير الذي حققه، انبرى المغرب لبناء ميناءين نظیرين له : واحد فی مدينة الناظور، وآخر في مدينة الداخلة الأطلنتي، مما سيجعل المغرب في أفق العشر سنوات المقبلة قطب الرحى بالنسبة للنقل والربط بين القارتين الأوروبية والأفريقية من جهة، وبين القارات الأمريكية والأوروبية والافريقية من جهة ثانية. وباعتبار الموقع الاستراتيجي للمغرب في قلب العالم، فستكون ميناء طنجة المتوسطي إضافة إلى باقي الموانئ التي هي طريق الإنشاء، بمثابة نقط مضيئة... نقط إشعاع محليا، وجهويا، وعالميا.
- المدينة الذكية المغرب : اقـتحم المغرب تجربة جنينية تخص تطوير المدن الذكية؛ وهي وإن كانت في بدايتها، فإنها بدأت تتبلور في مدن كبرى كالرباط والدار البيضاء... وبما أن عالم مستقبل قائم على اعتماد الذكاء الاصطناعي الذي بات يتطور بسرعة كبيرة، فإن المغرب معنيٌّ بهذا الشأن، ومدعو لخوض تجربة المدن الذكية، خاصة وأنه مقبل على تنظيم كأس العالم لكرة القدم سنة 2030؛ هذه التظاهرة الكونية التي تفرض على المغرب أن يكون قد خطا خطوات عملاقة في ميدان التواصل والعالم الافتراضي.  
- معبر الـﮔرﮔـرات : أخيراً، وفي شأن المغرب الحديث، اهتم بحث من بحوث تضمنها المجلد 32 من موسوعة "معلمة المغرب" بهذا الموقع الستراتجي المهم من وطننا العزبز، ويتعلق الأمر بمعبر الـﮔرﮔـرات. هذا المعبر الذي اكتسب شهرة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية؛ من حيث أنه أصبح معبراً دوليا منفتحا على العمق الإفريقي الذي ارتضى المغرب أن يزكيه ويكرسه خلال العقدين الأخيرين. هكذا، وبعدما كان اهتمامنا منصبا باتجاه الشمال (أوروبا)، بات المغرب يكرس المنطق القائل بأن "المغرب شجرة جذورها في إفريقيا، وفروعها بأروبا". والحقيقة أن الجذور هي التي تثبتنا وتشدنا بقوة إلى الأرض، وبالتالي أولى بالاهتمام والعناية. لقد انتبه المغرب إلى هذه الحقيقة، وطفق يوليها الأهمية التي تستحقها؛ ومن ذلك أنبوب الغاز الذي سيربط إفريقيا مع أوروبا مرورا عبر المغرب. إن هذه المبادرة هي إبداع مغربي بامتياز، فخط الغاز هذا الذي يفترض أن ينطلق من نيجريا، سيعبر 14 بلدا إفريقيا ليزودها بحاجياتها من هذه المادة الحيوية، قبل أن يصل إلى المغرب بلد العبور باتجاه أوروبا، علما بأن هذه الفكرة العبقرية بكل المقاييس، ستكرس سياسة المغرب الرامية إلى فتح المحيط الأطلنتي في وجه البلدان الإفريقية التي لا منفذ لها على الساحل، مثل دولة مالي، والنيجر، وتشاد... ومما لا شك فيه أن مرور هذا الأنبوب عبر الـﮔرﮔـرات سيُكسِب هذا المعبر أهمية اقتصادية وبعداً دولياً؛ فضلا عن كونه ممراً اقتصادياً لمئات الشاحنات التي تنقل البضائع والمنتجات التي يصدرها المغرب باتجاه إفريقيا.
 
                                                                 الرباط، في يوم السبت / 17 مايو  2025
                                                                                  الأستاذ إدريس شحو 
6
مشاهدة

تعليقات

لا توجد تعليقات حتى الآن

anonymous

الأكثر مشاهدة

كلمة الأستاذة بلكامل البضاوية

ازدان  العدد 32  لمعلمة المغرب بحوالي، 155 مادة  شارك فيها 79 باحثا وباحثة.
وكما هو معهود، تثير المواد قضايا متنوعة تاريخية وجغرافية وبيئية وثقافية وتراثية.
التزامي بتقديم المواد الأثرية والتراثية حفزني للبحث عن الخيط الناظم أو الرابط الذي يلم بهذه العناصر ويجمع شتاتها من بين أعمدة العدد.
اخترت ترتيب المواد على النحو التالي :
1 ـ مادتان ليس إلا حول موقعين أثريين مغمورين،
2 ـ ثلاثة مواد أدرجتها تحت مسمى اثـنو- اركيولوجيا،
3 ـ خمسة عشرة مادة حول التراث، وهو الحاضر بقوة ضمن هذا العدد. ومن البديهي أن أعمد لتقسيمه إلى عدة مباحث لتسهيل الإحاطة به.
1 ـ الموقعان الأثريان هما :
*  ترحالت أو أنماي :  يقع  الموقع بدير الأطلس الكبير، بقبيلة زمران، ويعرف بين الساكنة بالمدينة أو المدينة البرتغالية، يؤرخ بالقرن 16م. يحتاج الموقع لمعول الأثري لضبط أصوله وتحديد امتداده الزمني والمكاني.
* قصبة الفرايطة بسوق أحد الفرايطة بقبيلة السراغنة. لا زال الموقع يحتفظ ببنايات شامخة ؛ هو بالنسبة للباحث "مدينة حقيقية".  يتوفر  الموقع  زيادة على عمارته السيكلوبية، على 70 مطمورة وصهاريج مبلطة.
يحتاج هذا الموقع للصيانة والترميم والتثمين
2 ـ المواد الاثنو- اركيولوجية، وهي ثلاثة مواد على النحو التالي :
* إدقى أو الفخار الواسع الانتشار بالريف الأوسط ؛ وتتميز كل قبيلة بلون وأوجه استعمال الفخار، ويتفوق دوار ثغرا بقبيلة بقيوة على باقي الدواوير.
تستحضر الباحثة مراحل الصنعة من البدء إلى التشكيل ثم التسويق. وتعتبر الفخار صنعة نسائية بامتياز.
* أسماس / القدر العظيم من النحاس. يطلق المصطلح  أيضا على الوليمة التي تحضر فيه، ولا يستبعد أن تعود الاحتفالية للعصر المرابطي. وتنظم لإقامة تحالفات أو تعزيزها.
يتشكل أسماس من مدقوق الشعير والحنطة وتحضر بلحم الخروف، ويشارك فيها الجميع بنصيب.
* ألواح أﮔـادير : تمت تزكية هذه الألواح من لدن السعديين (ق 16م)، ولعلها ترتبط بالدولة المرينية (القرن 14م.). هي مجموعة قوانين تنظم الحياة القبلية، ولا يعتبر لوح أجريف أول لوح شفوي تحول إلى كتابي، بل هناك عدة مخطوطات تبرز بأن للعرف المكتوب عدة أصول.
إن الفهم الأعمق للألواح وفق الباحث،  هو فهم لرصيد غني من الاقتصادي والاجتماعي للجنوب المغربي.
3 ـ التراث : هو المادة المتعددة بأنواعها وأشكالها، وهو المحور الذي يشمل عدداً أكبر من المتدخلين ؛ فرادى وجماعات : منهم باحثون متمرسون وشباب واعد.
يضم المحور التراث الشفهي وأيضا التراث بنوعيها المادي واللامادي على النحو التالي :
1 ـ التراث الشفهي يهم مادتين :
* تييورا ن يـيـﮔـنا    
* سلهام بورنازيل
* تييورا ن ييـﮔـنا : هو معتقد سائد بالجنوب الشرقي المغربي، ساقها الباحث نقلا عن بعض المسنين. ينتظر الساكنة انفتاح أبواب السماء،  التي لا تفتح إلا للمحظوظين الاتقياء ليلة القدر وكذلك خلال يومي الاثنين والخميس.
ب. سلهام بورنازيل الاحمر من التراث الشفهي الأسطوري بامتياز، اعتقد الناس بأنه مقاوم للرصاص أنجى صاحبه طويلا من الموت المحقق، ولما لم يلبسه لقي حتفه. اضحى السلهام من تركة مقاوم أيت عطا نايت خويا. يذكرنا السلهام ببرنوص الملك الموري بطليموس ابن يـوبا الثاني وبنهايته المفجعة.
2 ـ عناصر تراثية ثلاثية :
·            تنوضفي / المطفية : هي تقنية متميزة لتدبير ندرة المياه، وذلك بتجميع المياه السطحية خلال فترات تهاطل الأمطار. تنتشر بالأطلسين الكبير والصغير وبسوس لا زال بعضها مقاوما لعوادي الزمن. تستعمل مياه المطفية لأغراض مختلفة، وإن كانت موجهة أساسا لتأمين مياه الشرب للمقيمين والوافدين.
·            إﮔـرنان / القبور الجماعية : هي ثلاثة مقابر جماعية تحتوي على رفاة شباب وشيوخ وأطفال بقمم جبال صاغرو وجنوب شرق المغرب وعبر الأودية ؛ ومن ذلك واد بوﮔـافر. تدل على بشاعة جرائم فرنسا، إذ تمثل القتل الذي يعادل جرائم الإبادة خلال حروب فبراير ومارس من سنة 1933. هي حروب غير متكافئة بين المستعمر والساكنة. تكلف بعض الشباب بتجميع الجماجم المتناثرة. ولا زالت لا تعرف هوية معظم الشهداء. فالباحثون مطالبون بتكثيف الأبحاث حول معارك التحرير، ومنها حرب بوﮔـافر.
·            إيـﮔـودار / المخازن الجماعية : هي تراث خاص بأرياف الجنوب المغربي. تضبط آليات تدبيرها بقوانين عرفية يمكن اعتبارها أمرا فريدا خاصا بالثقافة المغربية.
·            تتجاوز مهمة تخزين الحبوب، بحيث تشكل مؤسسة ذات وظائف متعددة دفاعية واقتصادية واجتماعية. تتضمن عدة مرافق، ومنها الورشات الحرفية.
·            لا زالت تعرف دينامية سياحية ببعض مناطق الجنوب المغربي بإقليم ﮔـلميم وبشتوكا أيت باها.
3 ـ التراث المادي المعماري 
يشتمل هذا المبحث على معالم تراثية تنتمي لجهات بعينها، ومنها جهة الرباط - سلا - القنيطرة ؛ وأساسا معالم من العدوتين : الرباط وسلا. 
فمعالم الرباط تتمثل في متحفين يجمعان بين جنباتهما صورا من الماضي البعيد والقريب. فمتحف بنك المغرب الذي أقيم بداخل الوكالة القديمة للبنك ودشن في بداية القرن (2010) يتشكل من مسار تاريخ النقود، ومن رواق للفنون. وتنظم به معارض مؤقتة وورشات ؛ وكذا أنشطة ثقافية هامة. وينتمي متحف اتصالات المغرب لشركة اتصالات المغرب، وهي مؤسسة شبه عمومية تساهم في حفظ التراث وتثمينه.فهو أول متحف مخصص لتاريخ تكنولوجيا الاتصالات بالمغرب، يتيح الاطلاع على التطور التكنولوجي والمؤسساتي للاتصالات العالمية بصفة عامة والمغربية بصفة خاصة. افتتح المتحف رسميا في 24 شتنبر 2001.
أما المعلمة الثالثة الرباطية الواردة في هذا المجلد الثاني والثلاثين، فهي كاتدرائية القديس بطرس بساحة الجولان التي تنتمي لفترة الحماية، والتي شهدت عدة تعديلات باستمرار. تجمع بالنسبة لطرازها المعماري الداخلي بين الأسلوبين القوطي والإسلامي..
احتفلت طيلة سبعة أشهر بذكراها المئوية (من 23 نوفمبر 2021 وإلى غاية 29 يونيو 2022).
يمكن من خلال هذه المادة المتعلقة بالكتدرائية معرفة عدة مفاهيم واستحضار الطقوس الدينية ؛ بل التعرف على أسماء الأساقـفة الذين ترأسوا مراسيمها .
الكاتدرائية هي رمز للتعايش بين الأديان والحضارات والثقافات.
أما مواد العدد 32 للمعلمة المتعلقة بمعالم سلا التراثية، فغاصت في فنادقها وملاليحها ومدرستها الحرة.
لقد لعبت الفنادق السلاوية أدوار كبيرة في النشاط التجاري منذ العصر الوسيط وإلى حدود الستينات من القرن الماضي. امتد معظمها من باب فاس إلى باب سبتة مرورا بالسوق الكبير (الرحبة)، وانتشر بعضها الآخر عبر أطراف المدينة. لقد تغيرت مسمياتها بتغير أسماء مالكيها، بل استبدلت وظيفتها الأساسية بأخرى ؛ كفندق الزيت الذي اضحى مؤسسة طبية، وهو اليوم متحف خاص بالآلات الموسيقية. أحصى الباحث زهاء 39 فندقا، ولم تتبق منها إلا 8 فنادق محافظة على وظيفتها الايوائية للمستضعفين.
بالنسبة لملاليح سلا، فهي أحواض خاصة بملح الطعام. لم ترد أدنى معلومات حولها خلال العصرين الوسيط والحديث ولكن يستفاد من الأملاك المحبسة أهميتها. 
ويعد الباحث الفرنسي من زمن الحماية لوي برونو أول من قدم تفاصيل هامة حول شكلها وأسلوب العمل فيها. 
توقف نشاطها بسبب زحف العمران، وانضاف افولها إلى انقراض الشابل.
أما عن أهمية المدارس الحرة بالمغرب زمن الحماية، ومنها المدرسة المحمدية، فلا يخفى على مهتم بالشأن التعليمي أسباب نشأتها وأدوارها ونظام الدراسة بها وأسماء بعض أعلامها، ومن ذلك الفقيه المريني بسلا.
خارج مدار العدوتين (الرباط وسلا) اهتمت مواد بالمعلمة بمتحف فيلا هاريس بطنجة وبالمدرستين الفنيتين بتطوان والدار البيضاء. هي فضاءات لتعلم فنون الفن وأيضا خاصة بالعرض. والمتتبع لمساراتها من خلال مواد المعلمة المذكورة يدرك مدى صعوبة دمقرطة مناهج الفنون. ويستطيع من خلال هذه المواد التعرف على أسماء رواد الفن المغربي من قبيل عبد السلام بن العربي الفاسي وفريد بلكاهية بالدار البيضاء ومحمد السرغيني بتطوان.
لم يغب التراث اللامادي من أجندة العدد 32 للمعلمة، حضر من خلال الفروسية وطقوسها بأبي الجعد، وكذلك من خلال الأمثال والتراث الشعبي الغنائي الذي يرسخ أسماء مقاومين ؛ ناهيك عن الألغاز والأحاجي. فالأمثال حسب الباحث مقاصد سوسيولوجية ونقدية عاطفية، والأحاجي هي اختبار لذكاء الإنسان وفطنته. 
ما أحوجنا لتجميع شتات التراث اللامادي الغني بدلالاته وإيحاءاته من أجل أجيال المستقبل.
اختم بالحديث عن التراث الزراعي الذي قلما أدركنا أهميته. فإذا كان الجدل لا زال قائما بين أصل الزراعة والغراسة وعمر الأشجار المثمرة ومن ذلك الورديات، فأصنافها وتنوع مصادرها بين محلي ومستورد بالتربة المغربية تحثنا على الانتباه لديمومة الأصناف المحلية، ومن ذلك التفاح المحلي الذي أضحى مهددا بالانقراض. 
عندما نذكر التفاح، نعتز بأن الأسطورة موضعة الحدائق الغناء ذات التفاح الذهبي بموقع ليكسوس الأثري والأرض المغربية. 
هذه الأسطورة لوحدها تستحق أن تلهم المبدعين، وتشكل مادة ثقافية دسمة لأطفالنا، من اجل غرس روح الاعتزاز بعمق تاريخنا الزراعي.
الخاتمة :  معلمة المغرب كما هو وارد في صفحتها الأولى وكما أراد لها مؤسسها العلامة محمد حجي وطاقمه منذ إيداعها قانونيا بالمكتبة الوطنية تحت رقم 0629/ 1984 "هي قاموس مرتب على حروف الهجاء، يحيط بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية والبشرية للمملكة المغربية". صحيح أن مصطلحا أثار وتراث غير واردين بالصفحة السالفة الذكر، ولكن مصطلحا التاريخ من جهة والحضارة المغربية من جهة ثانية جعلا من هذين العلمين واقعا حتميا. لم تغب بتاتا المعالم والمواد الأثرية من أعمدة المعلمة منذ عددها الأول. فالمواقع المشهورة أو المغمورة حاضرة بقوة، وكذلك المواد الأثرية ممثلة في الفخار، والفسيفساء، والمسكوكات، ناهيك عن أعلام الأثار وهم أساسا أوربيون لأنهم شكلوا الحلقة الأولى في هذا التخصص. لقد احتفل المعهد الوطني لعلوم الأثار والتراث بعقده الرابع، ونتابع عبر وسائل التواصل الاجتماعي جديد الحفريات الأثرية أو القراءات المستنيرة حول بعض المعالم والمواقع الأثرية، وارتفع عدد خريجي المعهد، وتنوعت أبحاثهم، واكتسب بعضهم صيتا عالميا، ولكن نسبة مشاركاتهم في المعلمة سواء في الأعداد القديمة أو العدد 32 لا ترقى للمطلوب. لا زالت الجامعة المغربية تقوم بالواجب. لعل قراءتي المتواضعة لمواد الأثار والتراث ضمن العدد 32 ستستنهض الهمم وتنبري أقلام شباب شغوف بأثار بلاده وتراثها، لأنه لديهم الكثير الذي يمكنهم أن يضيفوه لمواد المعلمة التي هي منهم وإليهم.
يستوجب العرفان ذكر أسماء من أرسوا قواعد معلمة المغرب، وعلى رأسهم الفقيد المؤسس محمد حجي على روحه وأرواح من فقدناهم من الرواد السلام، والتحية والتقدير لأعضاء لجنة التحرير منذ النشاة وإلى الراهن. 
أتقدم بعبارات الاجلال والاكبار للباحثين الذين ساهموا في اغناء مواد المعلمة منذ البدايات، ومنهم المساهمون في العدد 32.
لا أنسى الزميلات والزملاء الذين أنيطت بهم مهمة قراءة مضامين العدد 32، وأيضا من تحملوا مسؤولية التتبع والفهرسة والتنظيم، ومنهم العزيزان محمد بلعربي وفاطمة الزين، وأيضا الوزارات والمعاهد المدعمة، والحضور الكريم الذي تابع القراءات خلال لقاء 17 ماي 2025 بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وغني عن البيان أن أعرب عن شكري البالغ وعظيم امتناني لأستاذي الفاضل مصطفى الشابي الذي فوض لي مهمة استحضار المواد التي لها صلة بالأثار والتراث.
أرجو أن تحفز قراءتي الموجزة جمهور القراء على العودة للمواد الأثرية والتراثية، وأنصحهم بأن يسارعوا، فهناك مواد ستفيدهم، وأخرى ستسعدهم كما أسعدتني ؛ هي مواد طريفة جعلت دموع الفرح تنهمر على خدي مدرارا مدرارا.
الببليوغرافية : مواد معلمة المغرب الأثرية والتراثية، العدد 32، 2025.
* إبراهيم بديدي، التفاح فاكهة وتراث زراعي، ص. 89-93. 
* محمد بلعربي، مدرسة الدار البيضاء للفنون الجميلة، ص. 287-288. 
* نفسه، المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان، ص. 288. 
*عبد اللطيف البودجاي، متحف فيلا هاريس، ص. 280-282. 
* بشرى حبوبة، كاتدرائية القديس بطرس، ص. 239-242.
* نعيمة الحضري، متحف اتصالات المغرب، ص. 276-278.
* نعيمة الحضري وعبد السلام لعيب، متحف بنك المغرب، ص. 278- 280.
* حسن رامو والمحفوظ اسمهري ومبارك أيت عدي، ألواح أﮔـادير، ص. 267- 269. 
 
نفس الأسماء، إيـﮔودار (المخازن الجماعية)، ص. 44- 46.
 *حسن رامو وفاطمة الزهراء شحو، تنوضفي / المطفية، ص. 93-94.
* محمد السعديين، فنادق سلا، ص. 223-225.
* نفسه، ملاليح سلا، ص. 307-309.
* الحسن شوقي، ترحالت / أنماي، ص. 88- 89،
* نفسه، قصبة الفرايطة نضيف لما سبق وتحضر الوليمة، ص. 235.
* عبد الرزاق الصافي، التراث اللامادي بأبي الجعد، ص. 81- 84.
* صباح علاش، إدقـي / الفخار، ص. 16-19. 
* عبد الوهاب المريني، المحمدية، مدرسة حرة بسلا، ص. 284-286. 
* مصطفى ملو، إﮔـرنان / قبور جماعية، ص. 32-33.
* نفسه، تييورا ن ييـﮔـنا (انفتاح أبواب السماء)، ص. 98.
* نفسه، سلهام بورنازيل، ص. 163.
* الوافي النوحي، أسماس أو القدر العظيم من النحاس، ص. 25- 26.
 
                                                               الرباط، في يوم السبت 17 مايو  2025
                                                                        الأستاذة بلكامل البضاوية 
 

كلمة الأستاذة نفيسة الذهبي

ـ الإنزال الأمريكي بالشواطئ المغربية أو عملية "طورش" الجملة المشفرة للإعلان عن اقـتراب القوات الأمريكية مساء يوم 7 نونبر 1942 من الشواطئ المغربية وانطلاق عملية الإنزال. وهذا العرض يجيب عن الأسئلة الأساسية كيف تم الإعداد وما هي الأهداف ثم موقف السلطان سيدى محمد بن يوسف من ذلك، وكذلك ما موقف الجنرال نوﮔـس الذي يمثل الموقف الرسمي الفرنسي.
تشمل تداعيات الإنزال الذي تم يوم 8 نونبر 1942 دلالات تلك التساؤلات ومنها أن الولايات المتحدة سعت لمد يد المساعدة لإفريقيا الشمالية بعد انهزام فرنسا أمام القوات الألمانية وتوقيع معاهدة الهدنة سنة 1940، وفي ذلك ما ستجنيه من موقعها الداعم بعد نهاية الحرب. أما فرنسا المنقسمة على نفسها بعد تلك المعاهدة، فقد اختلفت رؤية قادة حكومة فيشي الرافضة للتعاون مع الحلفاء ومقاومة كل عمل عسكري أمريكي بالمغرب. وبرز في جانب التعاون كل من الجنرال جيرو الذي اعتبر المرشح المثالي للأمريكيين، والجنرال ديـﮔـول الذي بدأ أقل مرونة ولديه عدد قليل من المؤيدين من القوات المسلحة الوطنية. أما الطرف المغربي فقد عاش سياقات متضاربة ومتفاعلة، فقد ظهر مسلوب الإرادة لتحديد مصيره وموقفه اعتباراً للوضعية السياسية للحمايتين وخضوع طنجة للنظام الدولي.
يجد القارئ استقصاء لمراحل هذا الإعداد والإنزال وتفاصيل كثيرة عن شخصيات التنفيذ والوقت المناسب لذلك، وقد كانت إحدى عشرة ساعة كافية للأمريكيين لاحتلال أسفي غير أن الطائرات الفرنسية حلقت في اليوم الموالي فوق المدينة دون قصف باستثناء سقوط قديفة واحدة فوق مبنى للتخزين، وما تلا ذلك يوم 10 نونبر عندما اتجهت القوات لمحاصرة الدار البيضاء ونتبين من رسالة وُجهت إلى الجنرال بيتان أن الهدف الأمريكي هو تحرير فرنسا من نير دُول المحور، وإذا لم يكن جوابه مرضياً لما بدا من نوایا الأمريكيين، فإن أهم صفحة كانت هي احتلال بور ليوطي أو السيطرة على القرية الساحلية للمهدية على ضفاف واد سبو، ثم احتلال الدار البيضاء. يستعرض عنوان هذا الحدث كثيراً من التفاصيل حول مسار الإنزال وكيف أربكت قوة المقاومة الفرنسية القوات الأمريكية، وكذلك ما دار من مراسلات وما رافق مسار الأيام الثلاثة من حسابات الزمن وانعكاسات التطورات داخلياً وخارجياً، أما عن النتائج فيبدو أن الإنزال تم دون تسوية مجموعة من الخلافات السياسية، وتميزت وقائعه، على الخصوص، بموقف السلطان سيدي محمد بن يوسف الذي رفض قرار المقيم العام نوﮔیس والانتقال من الرباط إلى فاس بعيداً عن ساحة الحرب رغم سقوط قنابل أمريكية على المطار، ولذلك تسجل للسلطان مواقفه من الدعوة إلى وقف المعارك، ثم عدم مسايرة تطبيق القوانين العنصرية ضد اليهود المغاربة.
ـ إيـﮔـودار أو المخزن الجماعي المستمد من المصطلح الأمازيغي "أﮔـادير" التي تأتي بمعنى الجدار والحصن، هذا المخزن الذي يسود العمل بمثله في المنطقة المغاربية مع اختلاف المصطلحات له تمیز خاص في المغرب، ولعل من سماته توفره على قانون عرفي مكتوب يضبط آليات التدبير والاستغلال من طرف الجماعات القبلية المالكة له، فكل شخص له غرفة خاصة للتخزين بأﮔـادير. 
واستناداً إلى المصادر التاريخية والعُرفية فإنه يتجاوز مجرد وظيفة التخزين، إذ يمثل مؤسسة جماعية قبلية ذات وظائف متعددة، دفاعية، اقتصادية، اجتماعية، إلى جانب وظيفة الملجأ خلال فترات عدم الاستقرار، وهنا تبدو للقارئ اعتبارات تخزين المؤن، وتوفر الماء، والحماية الطبيعية بواسطة الأسوار وأبراج المراقبة، كما أنه يتعدى ذلك باعتبار الوظائف الدينية والصوفية، فالمرافق تحمل دلالات عديدة، فهناك المصلى، وغرفة تجميع الزكوات والصدقات والهبات المخصصة للأولياء والأضرحة وللمسجد أو للمدرسة العتيقة. وترد عبر الاستقصاء إشارات حول تصنيف الحجم وحسب الموضع الجغرافي، والشكل الهندسي، ومواد وتقنيات البناء ثم ما يهم تاريخ التأسيس والتطور المرافق لأزمنة التحولات في الزمن التاريخي، ويختم العرض بأن مؤسسة أﮔـادير لاتـزال قائمة في عدة مناطق من المغرب.
ـ التراث اللامادي بأبي الجعد
صفحة من الفروسية التقليدية الشعبية، حيث يشكل موسم التبوريدا بأبي الجعد فرصة للاستمتاع بالعروض وجمال الفرسان وفسحة المحرك فإن المناسبة التى تستغرق ثمانية أيام في موسم من أهم الاحتفالات التي تقوم بها القبائل المحيطة بالمدينة توحي للزائر بعلاقات تراث تأصل مع الزمن، وغدت له طقوس الاستعداد والتباري بين الفرق المشاركة التى تتقدم في شكل سُرْبَـة لتطلق عنان البارود التي يسبقها العلام بترديد مجموعة من الكلمات جاء هذا العرض بتفاصيل كثيرة حولها : یا بسم الله الوالدین خليوْ الخيل الدّرْجْ ثم المصطلحات الخاصة برفع الفرسان للبنادق "المكاحل" إلى السماء لتبدأ الخيول في التمايل بنوع من الـهْـمِـيزْ، والفرقة تظهر في أبهى صورة لتأتي المرحلة الموالية "حافظ ربي" إشارة العلام إلى فرسانه بضرورة إنزال البنادق إلى الأسفل والاستعداد للجري بطريقه موحدة .. كلمات ومصطلحات تعرف القارئ بتقاليد ممارسة هذا الفن من الفروسية. كما يجد القارئ فصولاً من الحديث عن شكل اللباس ونوع الغناء الذي يمثل تراثاً ثقافياً شفهياً، وفيه نوع من التغني بالمجاهدين والمقاومين، ونصوصاً تحيل على الشجاعة، بل هناك أسماء لعدد ممن استشهدوا فى إطار المقاومة.
وباعتماد الكاتب على أغاني ونصوص يصل بنا إلى اعتبار أهمية الأمثال الشعبية التي تحمل كثيراً من المعاني وتعد أهم روافد الأدب الشعبي بمقاصدها المختلفة ودلالاتها على مسار الحياة العامة للناس، وهنا لم يغفل العرض ذكر بعضها مع شرح كل مثل أو موقف مقصود. ولكل من يسعى للحفر في ذاكرة حية تحاكي الارتباط بالأرض ومحيط وثقافة الناس يقدم هذا العرض خبايا كثيرة.
ـ وعن الخزانة العلمية الصبيحية بسلا، يعود بنا الوقف العلمي المكتبي إلى باشا المدينة العلامة الحاج محمد الصبيحي (ت. 1969)، وقد أسند الإشراف عليها إلى ابنه المهندس الزراعي الأستاذ عبد الله الصبيحي (ت. 1995) وهو الذي شيد بناية فخمة في حي الرمل، خزانة منحت الدعم المادي من المملكة العربية السعودية، كما أن السلاويين استجابوا لواجب العناية بذخائر المخطوطات ليصبح للفضاء العلمي مكتنزاً بآلاف من المخطوطات العربية من علوم مختلفة إلى جانب المطبوعات الحجرية والكتب والمجلات والدوريات والوثائق المخزنية ... 
مقال غني بالأرقام والإفادات حول فهارس الخزانة ودورها في نشر المعرفة وفتح المجال للباحثين بل إنها منجم ثمین. 
أما عن الخزانة الحسنية "الملكية" التي تعد صرحاً علمياً بالمغرب فإنها قبلة للعلماء والباحثين من مختلف البلدان، مؤسسة عتيدة غنية بالذخائر، والمقال يحيلنا على تاريخ عميق في هذا الباب، فمنذ القرن 4 هـ، كانت خزانة واسطة عقد البيت الإدريسي يحيى الرابع كأول خزانة سلطانية مغربية عامرة تضاهي خزائن الكتب التي أنشأها خلفاء الدولة العباسية في بغداد أو ملوك الأمويين بقرطبة، وقد توارث سلاطين الدولة هذه السنة الحميدة فى الاعتناء بالوثائق والمصنفات النفيسة، ومن ذلك، يذكر الازدهار الذي واكب حياة المرابطين والمكانة التي حظي بها العلماء والمصنفات، وقد تضاعف هذا الازدهار مع الموحدين حيث نشطت حرفة الوراقة، والتأليف والانتساخ والتسفير والنقش، وقد استمر هذا النزوع العلمي مع المرينيين، ونفس الملاحظة تنسحب على الوطاسين والسعديين خاصة زمن أحمد المنصور الذهبي كانت الطفرة والإضافة لیأتي دور الشرفاء العلويين وتتوالى العناية بالمدخرات والنوادر منذ زمن المولى إسماعيل وزمن أبنائه. ويقف الباحث عند خصوصية دور الملك الحسن الثاني الذي أعلن عن فتحها أمام الطلبة والباحثين المغاربة والأجانب، وذلك منذ شهر مارس 1962، وتضم آلاف المخطوطات والكنانيش المخزنية وآلاف المطبوعات أيضاً مع جهود الفهرسة والتعريف بالذخائر ثم العمل على الانخراط في الرقمنة وجهود الصيانة والترميم للحفاظ على تراث عتيد.
ـ الزاوية الكرزازية بواحة وقصر كرزاز على واد الساورة أول ما يطرح هنا هو أن أهلها مغاربة وليسوا من ذوي الأصول الجزائرية كما يعتقد البعض فمنطقة كرزاز تقع ضمن مجال المغرب الشرقي أو الصحراء الشرقية الذي اقـتطعته فرنسا بما في ذلك توات والقنادسة وتندوف وبشار والعين الصفراء وألحقته بمستعمرتها الجزائر سنة 1962. أما الأصل في نشأة هذه الزاوية، فيرتبط باسم الجد الشيخ سيدى أحمد بن موسى الكرزازي المشيشي الإدريسي الذي أخذ لقبه من اسم المكان كرزاز، وكانت الزاوية الكبيرة تابعة للطريقة الصوفية الموساوية نسبة إلى هذا الشيخ المؤسس الذي يرفع المقال نسبه الشريف، ويستعرض سنده الصوفي وتأثره بالشاذلية ومحافظته على أورادها مع إضافات خاصة وأنه تلقى العلم والمعرفة على شيوخ من بينهم أحمد بن يوسف الملياني الراشدي.
يقدم لنا العرض صورة عن إحدى الزوايا الصوفية في القرن 10 / 16 بواد الساورة وبعد وفاته سنة 1013 / 1604 تعاقب على تسيير هذه الزاوية ومشيختها مريدوه قبل أن يتولاها أحفاده منذ منتصف القرن 11 / 17 ويشير إلى استمرار إشعاعها في محيطها إلى أواخر عهد الاستعمار کمرکز ثقافي وديني بفروعها وخاصة بفجيج التي يوجد بها المسجد الذي أسسه قبل أن ينتقل إلى قصر كرزاز.
 
                                                  الرباط، في يوم السبت 17 مايو  2025
                                                                الأستاذة نفيسة الذهبي 

كلمة الأستاذ إدريس شحو

 
أيها الحضور الكرام
 
أتشرف بأن أقدم بين يديكم المواد المتعلقة بالجغرافيا والعلوم الطبيعية، الواردة في هذا العدد 32 من معلمة المغرب. وقد كان الأولى أن يقدمها صاحب الشرف المغفور له سيدي إدريس الفاسي، الذي توفاه الله تعالى، ولم يغادر هذه الدنيا إلاَّ بعد أن راجع معي هذه المواد التي ناهزت 25 مادة. أذكر بأنه قد أتم السنة منذ أن وافته المنية رحمه الله، حيث التحق بالرفيق الأعلى يوم 29 أبريل 2024، والآن نحن في 17 ماي 2025. أجل عام مضى على وفاته... لقد كان له الفضل علي، إذ قدمني وألحقـني بهذه اللجنة للاشتغال معه ومع الإخوة الآخرين، الساهرين على هذا الورش الكبير المفتوح "موسوعة معلمة المغرب". فهو الذي درج على تقديم هذه المواد المتعلقة بالجغرافيا والعلوم الطبيعية في كل الأعداد الصادرة ؛ لكن غيبه الموت... ولم تغب روحه.. ولم يغب عطاءه..
فهو يعتبر من المؤسسين لهذا العمل موسوعة "معلمة المغرب" ؛ إذ رافقه تحريراً وإسهاماً منذ أربعين سنة خلت؛ فرحمتك ربي للأستاذ الفاسي، الذي شهد لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة.. ومات على ذلك.
أيها السادة الأعزاء
أتقدم بمواد الجغرافيا والعلوم الطبيعة التي قسمتها إلى ثلاث مجموعات:
ـ المجموعة الأولى : تتعلق بالتراث الطبيعي والسياحي بالمغرب.
ـ المجموعة الثانية : التراث البشري بالمغرب. 
ـ المجموعة الثالثة : تتعلق بما أسميته بالمغرب الحديث.
لا يفوتني قبل أن أبدأ بتناول هذه المواد، أن أشير إلى أننا من خلال المعلمة، نرصد التراث الطبيعي والبشري لهذا الوطن العزيز، ونسهر على التعريف به. وبما أنني مكلف بهذا الشق، ألفت انتباهكم إلى أن المغرب يشكل استثناء بكل المقاييس على المستوى البيئي... فنحن ننتمي إلى البلد الذي يُـعتبر الأشد تنوعاً وغنىَ على مستوى الشمال الإفريقي... فالمغرب تهيكله ثلاث سلاسل جبلية تشغل حوالي 147 ألف كلم مربع، ويحده بحر، ومحيط، والصحراء في الجنوب، مما جعل منه جوهرة وكنزا طبيعيا وبشريا لا نظير له. أجل، نحن نمتلك الغابات الأجمل والأوسع، إذ تصل مساحتها 9 مليون هكتار... هذه الغابات والجبال والبحار منحتنا عمقاً زراعياً يمتد على مدى 1000 كلم، من طنجة إلى أﮔـادير.
فنحن الأوفر حظا والأغنى من حيث التراث البيئي والطبيعي، بفضل هذه الجبال التي تستقطب التساقطات المطرية المتسللة من الواجهة الأطلنتية، فتتيح موارد مائية وفيرة تروي المغرب ذات اليمين وذات الشمال. وذلك من خلال أنهار كبرى ووسطى وصغرى تغذي القسم الشمالي الغربي منه، على غرار: نهر سبو، نهر أم ربيع، نهر اللوكوس، تانسيفت، سوس، ورغة... وأخرى تروي الجهة الشرقية والجنوبية الشرقية كواد ملوية، واد زيز، واد درعة، واد غريس... وكلها تنبع من جبال الأطلس والريف، فتوزع الخصب والنماء بكل ما تنطوي عليه الكلمة من معنى، جاعلة من المغرب استثناء بيئياً لا مثيل له.
ولئن كان المعدل الوطني للتساقطات عندنا لا يتجاوز 300 ملم، فإن هذه العاليات جعلت المغرب يحظى بتنوع بيئي وحيوي فريد، إذ وراء كل قمة أو ربوة أو أكمة، أو في بطون الأودية والمنخفضات... يمكن أن نصادف نظاما بيئيا فريدا يعكس ثراء طبيعيا أو حيويا لا نظير له. ولذلك حُــقَّ لنا أن نفتخر بهذا الوطن في عمقه التاريخي الذي أُسْنِدَ لإخوة آخرين من ذوي التخصص ؛ وفي بُعده الجغرافي والطبيعي الذي توليت الإشراف عليه.
وتتناول المواد الجغرافية والطبيعية التي وردت في العدد 32 من المعلمة، مواضيع جوهرية واستثنائية بالنسبة للمغرب، بل وبالنسبة للشمال الإفريقي والمتوسطي والعالمي أيضا.
1- التراث الطبيعي والسياحي
- غابة أرﮔـان تسيلي : فيما يتعلق بالكتلة الأولى من المواد التي كرسناها للتراث الطبيعي والسياحي، أخذنا كمثال "تشكيلة أرﮔـان تسيلي"، المعروفة محليا بـ "ارْﮔنات بوشكال". وهي عبارة عن غابة صغيرة جدا لشجر أرﮔـان ؛ توجد على أبواب الرباط، وأنا متأكد أن %99 من الحاضرين لا يعلمون وجود هذه التشكيلة الغريبة، باعتبار أن أرﮔـان يرتبط في أدهانهم بحوض سوس وسفوح الأطلس الكبير الغربي والأطلس الصغير الشمالي الغربي، وهي المناطق التي تؤوي 870 ألف هكتار من شجر أرﮔـان، الذي هو نوع متوطن قبيس Endémique ولا نظير له في العالم. وتنعت هذه التشكيلة بكونها تعتبر غابة بستان Forêt-verger بالنظر لكونها غابة تلقائية نمت بشكل طبيعي ؛ ثم هي مُثمِرةٌ تعطينا ثمارا تشبه اللوز، ويستخلص منها واحد من أجود أنواع الزيوت في العالم "زيت أرﮔـان". فغابة أرﮔـان تغطي مجالا يُفترَض أنه صحراوي، لولا جبال الأطلس التي شكلت درعاً واقياً أنشأ هذه البيئة، وصنع هذه التوازنات البيئية الاستثنائية. هذه الغابة يوجد لها نظير في واد ﮔـرو الأوسط على مقربة من العاصمة الرباط، محتلة حوالي 1000 هكتار من شجر أرﮔـان ؛ مما أدى إلى تصنيفها كموقع ذي أهمية بيولوجية وإيكولوجية Site’Intérêt Biologique et Ecologique. لذا استحق هذا المكان أن يُعَرَّف به ويُكتَبَ عنه ؛ مما سيشكل تثمينا له، في إطار ما يسمى يالسياحة الإيكولوجية لفائدة المنطقة والأهالي.
- منتزه أقشور ومنتجع کابو نیـﮔرو : من المواد التي وردت في هذه الكتلة أيضا، وهي ذات بعد طبيعي سياحي، منتزه أقشور ومنتجع کابو نیـﮔرو. وهنا فإننا نتحدث على شمال المغرب الجميل ؛ هذا الشريط الساحلي الممتد من طنجة حتى الحسيمة، والذي نُطلق عليه عدوة الأندلس الجنوبية، في مقابل عدوة الأندلس الشمالية (إسبانيا حاليا) التي طرد منها مليوني أندلسي، أوروبي مسلم. لقد طردوا ابتداء من سنة 1492 وما بعدها، واستقروا في شمال المغرب، حيث صنعوا أندلساً تذكرهم بذكرياتهم وديارهم وفردوسهم المفقود. وكما تعلمون فإن مؤسس مدينة شفشاون مثلا يسمى أبو الحسن علي بن راشد العلمي، وهو أندلسي موريسكي. ولعلكم مثلي شاهدون على التحول الذي يعرفه الشمال المغربي، والذي ما انفك يجلب السياح من كل حدب وصوب (السياحة الوطنية والدولية)، مما دفعنا إلى اختيار بعض المواقع السياحية منه، مثل منتزه أقشور ذي البعد السياحي الإیکولوجی، ومنتزه كابو نيـﮔرو الذي يشكل فضاء مثاليا للسياحة الشاطئية.
- غابة بنسليمان : بخصوص الجانب الطبيعي أيضا، تم التطرق إلى غابة بنسليمان التي ليست إلاَّ امتدادا لغابة المعمورة الساحلية واطئة ؛ لا يوجد مثلها إلا في المغرب وهي غابة سهلية، وما أندر الغابات السهلية. لقد آوت شجر البلوط الفليني الممتد بين المعمورة وغابة بنسليمان، مما جعل الساحل، الأطلنتي من القنيطرة وحتى الدار البيضاء، ينعم بفضاء أخضر طبيعي. وهي فضلا عن ذلك غابة إنتاج وغابة وقائية Forêt de production et de protection ؛ وقد ساعدت على التثبيت البيولوجي لهذا المجال الهش بيئيا، بل وصنعت لنا تربة انطلاقا من تكونات رملية حمضية، وقبلت الاستبطان فوق تربات فقيرة. ولذلك فإن غابة البلوط الفليني هذه لا تستحق التقدير؛ بل تستحق التقديس لأنها قبلت بالعيش في أوساط فقيرة جداً. ثم أنها غابة المجالات الواطئة، علما بأن معظم غابتنا آوت وفرت إلى سفوح وقمم الجبال. وبالتالي فغابة بنسلیمان جديرة بأن يكرس لها ركن خاص في هذا العدد من المعلمة.
- سد بين الويدان : يعتبر هذا السد واحدا من أكبر السدود وأقدمها بالمغرب ؛ أسس سنة 1953 على نهر واد العبيد أحد روافد واد أم الربيع. وقد أُنشِئَ لري سهل تادلا الذي أصبح أول قطاع فلاحي عصري تمت تهيئته بشكل الحديث. وبالنظر للأهمية القصوى التي يكتسيها بالنسبة للاقتصاد المحلي والوطني، فقد استحق هذا السد أن يُدرج بالمعلمة.
- التفاح : يبدو الحديث عن فاكهة التفاح أمرا غير ذي جدوى ؛ والحال أننا لا نعلم بأن معظم أنواع التفاح المستهلكة محليا هي من الأنواع المستوردة، التي تم استزراعها في المغرب منذ الفترة الاستعمارية. مما أدى إلى التخلي عن الأصناف المحلية الأصيلة ؛ وهذا أمر يؤسف له، لأن في ذلك فقدان للتنوع البيولوجي الزراعي الوطني. من هنا، ولأجل إعادة الاعتبار للأصناف المحلية البَلْدِيَة (المغربية)، انبرى أحد المؤلفين المساهمين في المعلمة، للكتابة عنها في أفق اعتمادها من قِبَلِ المعنيين بتدبير الشأن الفلاحي في المغرب. نذكر في هذا السياق، بأن ثمة فواكه أخرى ذات أصل مغربي لقيت ذات المصير، مثل إجاص المعمورة الذي تم التخلي عنه لصالح أصناف دخيلة، ولم تُعطاهُ الأهمية التي يستحقها كتراث نباتي وطني...
- جيوبارك مـﮔون : من ضمن المحميات التي يعرف عنها المغاربة بعض المعلومات، نذكر المنتزهات الوطنية والطبيعية. بيد أن ثمة مفهوم جديد ظهر إلى الوجود يتعلق بما يعرف بالمنتزه الجيولوجي، المعروف اختصارا بجيوبارك Géoparc (جيو - منتزه). هذا النموذج الذي تم اعتماده من خلال جيوبارك مـﮔون الذي أنشئ في منطقة أزيلال، حيث تم العثور على الهيكل العظمي لديناصور فريد من نوعه. يعتبر هذا المنتزه الجيولوجي الأول من نوعه في إفريقيا؛ وقد أعطى قيمة كبرى للمنطقة مما جعلها قبلة للسياحة الجيولوجية Géotourisme والإيكولوجية والعلمية، التي تحفز الزوار على للمجيء لزيارة المنتزه، واكتشاف الهيكل العظمي للديناصور الذي عثر عنه بالمنطقة حيث أُقِيمَ له متحف خاص بمدينة أزيلال. 
- زلزال الحوز : يتعلق الأمر بالزلزال العنيف الذي يعتبر من أخطر الكوارث الطبيعية التي هزت منطقة الأطلس الكبير الغربي في الثامن من سبتمبر 2023، مخلفة خسائر جسيمة في الأرواح والمنشآت. وبالنظر لروح المواطنة التي أبان عنها المغاربة، فقد حصل تضامن كبير حفز الناس على المساهمة المادية والمعنوية لفائدة الأهالي المحليين من أجل تجاوز تلك المحنة الكبيرة.
II- التراث البشري بالمغرب
شملت هذه المجموعة الثانية عدة مواضيع منها سلالات أغنام المغرب (الصردي - بني ﮔيل - تيمحضيت)، وكذا مدن مغربية صاعدة (الفنيدق - المضيق - مارتيل)؛ فضلا عن جوانب بشرية أخرى عُنِيتْ بالتراث المادي (كاتدرائية القديس بطرس بالرباط)، واللامادي المتمثل في مدونة الأحوال الشخصية.
- سلالات أغنام المغرب (الصردي - بني ﮔيل - تيمحضيت) : هذه المادة تعرف ببعض أصناف الأغنام المحلية. فمن المعلوم أن كلا منا عندما يرغب في اقتناء كبش الأضحية في العيد الكبير (عيد الأضحى)، فإنه غالبا ما يختار أحد الأصناف التالية : الصردي ولعله أشهرها، يليه من حيث الأهمية نوع تيمحضيت، ثم صنف بني ﮔيل... علماً بأن هذه الأصناف تنتسب إلى سلالات مغربية قُـحَّة، بل هي قبيسة حتى، لكونها لا توجد في بلد آخر من العالم وباعتبار جودة لحومها. لذلك فهي حرية بالصون والتثمين، حتى لا تضيع أو تنقرض كتراث وطني نفيس، نتيجة منافسة الأصناف المستوردة من إسبانيا وأستراليا... التي باتت تغزو السوق الوطنية في السنوات القليلة الماضية.
- مدن الفنيدق والمضيق ومارتيل : يتعلق الأمر ببعض الحواضر الحديثة التي بزغت إلى السطح وباتت تشهد دينامية ملحوظة خلال العقود الأخيرة، هي عبارة عن مراكز حضرية صاعدة Villes émergentes تؤثث شمال المغرب الجميل، الذي أمسى يعرف تحولات سوسيو- مجالية هائلة. هذه المدن الناشئة، كانت بالأمس عبارة عن قرى صغيرة، وأصبحت الآن تتطور بوتيرة سريعة، نتيجة تطور القطاع السياحي بها، بما في ذلك السياحة الداخلية والدولية.
- كاتدرائية القديس بالرباط : عندما نزور العاصمة الرباط، لعل أول ما يلوح في الأفق بناية شامخة تحتل وسط المدينة، وتتمثل في كاتدرائية القديس بطرس التي هي عبارة عن كنيسة ضخمة تؤمها الطائفة المسيحية المقيمة في الرباط أو القادمة من مناطق مختلفة من المغرب. إن وجود هذه الكاتدرائية في قلب العاصمة السياسية للبلاد، لهو مؤشر حقيقي على روح التسامح التي تسود هذا الوطن العزيز، وينعم بها كل المغاربة الذين يعتبرون الكاتدرائية جزءاً من التراث الوطني المادي، ودلالة على الغنى الحضاري والثقافي، والتنوع العقائدي والديني بالمغرب. 
- مدونة الأحوال الشخصية : عرف المغرب تنظيم الأحوال الشخصية منذ بلوغ الإسلام إلى هذه الديار. بيد أنه وغداة فجر الاستقلال قرر المغفور له محمد الخامس سنة 1957 أن يمكن المغرب من مدونة أحوال شخصية تليق ببلد مستقل ومستقر، وذو هوية وطنية أصيلة. وهكذا استدعى زمرة من العلماء دونوا الأحوال الشخصية المتعلقة بأحوال الزواج وأحوال الطلاق والإرث... على نحو موافق لروح الشريعة الإسلامية، ومنفتح على روح الحضارة الحديثة والقوانين الدولية. لقد طفق المغاربة يعملون بها إلى حدود سنة 2004 عندما تم إصدار مدونة الأسرة التي مثلت مرحلة جديدة في سيرورة المغرب الحديث.
III- المغرب الحديث
بالنسبة لهذا العنصر الثالث والأخير، فإنه يتطرق إلى القفزة النوعية التي شهدها المغرب الحديث على المستوى المنجزات الكبرى خلال العقود الثلاثة الماضية، ولعل أبرزها قطار البراق، وترامواي الرباط، ومحطة نور ورزازات، وميناء طنجة المتوسط، المدينة الذكية بالمغرب ومعبر الـﮔرﮔـرات. 
- قطار البراق - ترامواي الرباط : هذا القطار المكوكي الذي تتجاوز سرعته 300 كلم في الساعة، أصبح معلمة مغربية متحركة تختزل الزمان، وتربط شمال المغرب بوسطه. يعتبر الأول من نوعه في إفريقيا والعالم العربي، كما يندرج ضمن الأوراش الملكية التي لها اليد البيضاء على هذا البلد. لقد تم تدشينه سنة 2018، مشكلا ثورة وطنية على مستوى النقل؛ حيث تمكن من نقل زهاء خمسة ملايين مسافر إلى حدود عام 2023، أي بمعدل مليون مسافر كل سنة. ومما لا شك فيه أن هذه الثورة ستتواصل في مجال النقل بتدشين الخط الجديد للخط السريع، الذي سينطلق من القنيطرة إلى مراكش، مرورا عبر محطات ستستفيد هي الأخرى من خدمات هذا القطار فائق السرعة.
في ذات السياق، وضمن المجهودات الجبارة التي يبذلها المغرب في تطوير قطاع النقل، تم تدشين ترامواي الرباط في 18 ماي 2011. هذه اللؤلؤة المتحركة التي صارت جزءاً من هوية عاصمة البلاد الرباط، ورمزا عصريا لها، إضافة إلى صومعة حسان بما هي رمز تاريخي حضاري. لقد تم التطرق إليه بشكل مفصل جميل، حيث كتبت عنه باحثة خصصت أطروحة دكتوراه كاملة لترامواي الرباط، واقتبست لنا من هذه الدكتوراه هذا الإسهام الذي سيخلد ترامواي الرباط.
- محطة نور ورزازات : عندما نذكر المغرب الحديث لابد من أن نتطرق إلى أحد الإنجازات الكبرى، التي خرجت إلى الوجود خلال العشرية الماضية من القرن الحالي؛ وتخص محطة نور ورزازات لتوليد الطاقة الشمسية، هذه المحطة التي تم تدشينها سنة 2016، تعد بحق فخر المغرب، إذ هي الأكبر من نوعها على المستوى العالمي؛ حيث تغطي مساحة شاسعة تمتد على ما يناهز 3200 هکتار. وتوفر الطاقة النظيفة بكلفة رخيصة، حيث تحقن في التيار الكهربائي الإجمالي الذي يعمل على تلبية الحاجيات الوطنية. ومما لا شك فيه أن لهذه المحطة ما بعدها، إذ خطط المغرب لإنشاء خمس محطات أخرى مثلها كمحطة بني مطهر، ومحطة ميدلت، ومحطة إفني... إضافة إلى المحطات الريحية التي أنشئت قبلها، والتي ستزود المغرب في أفق 2030 بحوالي %52 من حاجياته الطاقية؛ بدل الطاقات الأحفورية المكلفة والملوثة، المعتمدة الـﮔـزوال أو الفحم الحجري. وبذا يكون المغرب قد حقق قفزة تكنولوجية نوعية على الصعيد العالمي، إذ يعتبر من الدول العشر الأوائل التي تبنت سياسات رائدة فيما يتعلق بتطوير وتشجيع الطاقات البديلة النظيفة، شمسية كانت أو ريحية أو المائية القائمة على السدود.
- ميناء طنجة المتوسطي : لا يفوتنا في هذا المقام، أن نتحدث على مشروع ضخم جداً أقدم المغرب على تدشينه خلال العقدين المنصرمين، ويهم ميناء طنجة المتوسطي، الذي يندرج ضمن الموانئ العشرة الأولى عالميا. هكذا، وبعد أن انطلق كفكرة بسيطة في البدء، أصبح الآن معلمة وطنية كبرى يحق للمغرب أن يفتخر بها. لقد أصبح نموذجا يستلهم لدى عديد من البلدان؛ ونظراً للنجاح الكبير الذي حققه، انبرى المغرب لبناء ميناءين نظیرين له : واحد فی مدينة الناظور، وآخر في مدينة الداخلة الأطلنتي، مما سيجعل المغرب في أفق العشر سنوات المقبلة قطب الرحى بالنسبة للنقل والربط بين القارتين الأوروبية والأفريقية من جهة، وبين القارات الأمريكية والأوروبية والافريقية من جهة ثانية. وباعتبار الموقع الاستراتيجي للمغرب في قلب العالم، فستكون ميناء طنجة المتوسطي إضافة إلى باقي الموانئ التي هي طريق الإنشاء، بمثابة نقط مضيئة... نقط إشعاع محليا، وجهويا، وعالميا.
- المدينة الذكية المغرب : اقـتحم المغرب تجربة جنينية تخص تطوير المدن الذكية؛ وهي وإن كانت في بدايتها، فإنها بدأت تتبلور في مدن كبرى كالرباط والدار البيضاء... وبما أن عالم مستقبل قائم على اعتماد الذكاء الاصطناعي الذي بات يتطور بسرعة كبيرة، فإن المغرب معنيٌّ بهذا الشأن، ومدعو لخوض تجربة المدن الذكية، خاصة وأنه مقبل على تنظيم كأس العالم لكرة القدم سنة 2030؛ هذه التظاهرة الكونية التي تفرض على المغرب أن يكون قد خطا خطوات عملاقة في ميدان التواصل والعالم الافتراضي.  
- معبر الـﮔرﮔـرات : أخيراً، وفي شأن المغرب الحديث، اهتم بحث من بحوث تضمنها المجلد 32 من موسوعة "معلمة المغرب" بهذا الموقع الستراتجي المهم من وطننا العزبز، ويتعلق الأمر بمعبر الـﮔرﮔـرات. هذا المعبر الذي اكتسب شهرة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية؛ من حيث أنه أصبح معبراً دوليا منفتحا على العمق الإفريقي الذي ارتضى المغرب أن يزكيه ويكرسه خلال العقدين الأخيرين. هكذا، وبعدما كان اهتمامنا منصبا باتجاه الشمال (أوروبا)، بات المغرب يكرس المنطق القائل بأن "المغرب شجرة جذورها في إفريقيا، وفروعها بأروبا". والحقيقة أن الجذور هي التي تثبتنا وتشدنا بقوة إلى الأرض، وبالتالي أولى بالاهتمام والعناية. لقد انتبه المغرب إلى هذه الحقيقة، وطفق يوليها الأهمية التي تستحقها؛ ومن ذلك أنبوب الغاز الذي سيربط إفريقيا مع أوروبا مرورا عبر المغرب. إن هذه المبادرة هي إبداع مغربي بامتياز، فخط الغاز هذا الذي يفترض أن ينطلق من نيجريا، سيعبر 14 بلدا إفريقيا ليزودها بحاجياتها من هذه المادة الحيوية، قبل أن يصل إلى المغرب بلد العبور باتجاه أوروبا، علما بأن هذه الفكرة العبقرية بكل المقاييس، ستكرس سياسة المغرب الرامية إلى فتح المحيط الأطلنتي في وجه البلدان الإفريقية التي لا منفذ لها على الساحل، مثل دولة مالي، والنيجر، وتشاد... ومما لا شك فيه أن مرور هذا الأنبوب عبر الـﮔرﮔـرات سيُكسِب هذا المعبر أهمية اقتصادية وبعداً دولياً؛ فضلا عن كونه ممراً اقتصادياً لمئات الشاحنات التي تنقل البضائع والمنتجات التي يصدرها المغرب باتجاه إفريقيا.
 
                                                                 الرباط، في يوم السبت / 17 مايو  2025
                                                                                  الأستاذ إدريس شحو 

كلمة الأستاذة نجاة المريني

معلمة المغرب عمل رائد، ومشروع موفَّـق يتغـيى الاحتفاء بالوطن تاريخا وجغرافيا ومؤسسات وتراجم وأعلاما، وسيشكل حضور هذه الموضوعات ما للمغرب من خصوصيات في واجهات متعددة، فيحقُّ للمغاربة أن يعتزوا بوطنهم وبعراقته الممتدة عبر الزمان والمكان، وأن يحافظوا عليه ممن يزعجهم ارتقاؤه ونماؤه تعلق الأمر بالأعداء أو الأصدقاء.   
ويصدر اليوم العددُ الثاني والثلاثون من المعلمة في طبعة أنيقة في ثلاثمائة وست وأربعين صفحة مع فهارس شاملة تساعد على التوصل إلى المادة المطلوبة، ويتضمن هذا العدد  مائة وأربعا وخمسين مادة حسب المحاور الآتية  :  
الأحداث التاريخية، المواقعُ الجغرافية، مؤسسات الدولة، مؤسساتٌ ثقافية، مجلاتٌ مختلفة تراجمُ الأعلام، مدارسُ وطنية كالمدرسة المحمدية بسلا والمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان والدار البيضاء، المعاهدُ الموسيقية بالمغرب، المتاحفُ على اختلافها، الخزانتان الصبيحية بسلا والخزانةُ الحسنية بالرباط، الألعابُ الأولمبية، المغربُ وكأس العالم، وفي المجال الصناعي : الطاقةُ الشمسية، النقـلُ البحري، ميناءُ طنجة المتوسط إلى غيرها من الموضوعات التي ألـقـتِ الضوء على ما تزخر به بلادنا من ثروات طبيعية وبشرية علينا صيانَـتُها والحفاظُ عليها، معلوماتٌ كثيرة حرص الأساتذةُ على استخلاصها من المصادر المختلفة ومن الظروف التي أسهمت في خلقها كما هو الشأن مع ميناء طنجة المتوسط أو الطاقة الشمسية والنقل البحري وغير ذلك مما يؤكد مواصلةَ المغرب الخطـوَ نحو بناء المغرب الحديث. 
شارك بالكتابة في هذا العدد ستون كاتبا وتسعُ كاتبات، لكل طريقَـتُه ومنهجُهُ في تقديم مادته مستعينا بالمصادر والمراجع التي تُـوفِّـر له مادةً سخيةً للحديث عن المادة المتحدث عنها وكذلك عن المترجَمِ لهم أو الاقتصار بما توفـر عليه من معلومات تساعده على كتابة ترجمة وافية وغنية في نفس الوقت.    
وتُـتـابع معلمةُ المغرب خُطاها الواثقة في التعريف بالأعلام البشرية المغربية والأجنبية أو ما يمكن تسميتُه بتراجم الأعلام ممن فـقـدتهم الساحةُ الوطنية المغربية وتركوا بصماتِهِمْ واضحةً في تاريخ المغرب بمساهماتهم المختلفة في بناء صرح الوطن من خلال مؤلفاتهمُ الوازنة في الفكر والفلسفة والأدب والتاريخ، وبآرائهم المشعَّةِ في ِركاب الحضارة الإنسانية أو مواقـفهم النضالية ِمن أجل تحرير البلاد. 
بلغ عدد المغاربة المترجم لهم في هذا العدد واحدا وسبعين رجلا واثنتي عشرة امرأة، توزعت هذه التراجم بين : 
  - أولا :  سياسيون كان لهم حضورٌ في الساحة السياسية : أحمد حرزني أحد مؤسسي اليسار الاشتراكي الموحد والحزب الاشتراكي الموحد، من مؤلفاته " نصوصٌ حول اليسار، "الإسلامُ والديموقراطية"، "الانتقالُ الديموقراطي في المغرب" وغيرُها، ومن السياسيين عبدُ الواحد الراضي الأستاذُ الجامعي ومن مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أولَ إنشائه ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وزيرٌ وبرلمانيٌّ على مدى ستة عقود، نعته الصحافيون بشيخ البرلمانيين أو قيدومهم. ونوبير محمد الأموي رجلُ تعليم، نقابيٌّ من قياديي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مؤسسُ الكونفيدرالية الديموقراطية للشغل وأمينُها العام، كان من الذين حاربوا سياسةَ السُّـلَّم الاجتماعي التي مارسَتْها قيادةُ الاتحاد المغربي للشغل، اعتقـل مراتٍ لمواقفه السياسية منبهاً إلى أنَّ الصَّمْتَ سيجعل الوضعيةَ أكـثـرَ سوءاً مستعدا للمعاناة من جراء تحمُّل المسؤولية أواخر السبعينات وما تــلا تلكُم السنوات من أحداث ومواقف. 
-  ثانيا : أساتذة جامعيون :  أغـلبُهُم محاضرون في كليات مختلفة في الحقوق والآداب، منهم محمد البدراوي أحدُ الأقطاب اللامعين في العلوم العصرية، أستاذٌ باحث بالمعهد الزراعي بالرباط ثم المديرُ الوطني للبحث الزراعي والمديرُ الوطني للحفاظ على البيئة ومكافحةِ التصحر، " كان متفردا، متميزا، يتمتع بكفاءات التكيف العالية  مع ظروف الصحراء القاسية" كما ذكر مترجِمُهُ في الصفحة 54 من المعلمة. ومنهم عباس الجراري أستاذ الأدب العربي بجامعة محمد الخامس بالرباط والأستاذُ بالمعهد المولوي بالرباط، ورئيسُ النادي الجراري لعقـود بعد وفـاة مؤسس النادي الأستاذِ عبد الله الجراري، وصاحبُ المؤلفات العديدة  في المواضيع المختلفة، آخـرُها سيرتُه الذاتية "رحيقُ العمر"، الأستاذُ المحاضر في الدروس الحسنية سنواتٍ ورئيسُ المجلس العلمي بالرباط، عضـوُ أكاديمية المملكة المغربية، خطيبُ مسجد للا سكينة بالرباط، المستشارُ الملكي لجلالة الملك محمد السادس سنة 2000، ومن الأساتذة الجامعيين محمد الحبابي، الشخصيةُ السياسية البارزة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، البرلمانيُّ الكفء، أستاذُ الاقتصاد بكلية الحقوق وبالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، أُطْلِـقَ عليه لقبُ " قيدوم الاقتصاديين المغاربة "، مستشارٌ في ديوان عبد الرحيم بوعبيد ثم مديـرُ ديوانه، ساهم في نشر الفكر التقدمي على مستوى التحليل وتقديم الدراسات الاقتصادية وغيرها، من مؤلفاته الشهيرة "مستقبلُ شبيـبـتـنا في أفق الثمانينات" الصادر باللغة الفرنسية وغيرها، كانت له مواقفُ شجاعة وصريحةٌ في انتقاد الوضعية التي كان يعيشها الحزب، واكتفى بعضويته في المجلس الوطني للحزب. ومن الأساتذة الجامعيين محمد بن شقرون المعلم والأستاذ الجامعي وصاحب مؤلفات أهمها : "مدخل إلى الدراسات القرآنية والحديثية "في جزأين"، معجم معاني ومباني القرآن الكريم"، احتفت به الأكاديمية الفرنسية تقديرا لجهوده الفكرية واجتهاداته في ميادين العلم والمعرفة، والطاهر وعزيـز الذي قال عنه محمد عزيز الحبابي : "إنه من الباحثين الجادين الذين تتبعوا خطوات الفلاسفة" مؤكدا أن التكوين الفلسفي لا ينبغي أن يعلم الطلاب أفكارا وإنما أن يعلمهم كيف يفكرون، وكذلك الأستاذ محمد سبيلا صاحب المؤلفات العديدة "والذي صاغ لنفسه مشروعا تنويريا التزم به" كما يذكر المترجمُ له، وعبد القادر زمامة الذي كان لمؤلفاته الصدى الطيب عند زملائه وطلبته، والمغرم بالأمثال المغربية، ومحمد خالد الناصري الأستاذ الجامعي والقيادي بحزب التقدم والاشتراكية، الفقيه في القانون الدستوري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، السفير، رشيد الحضري عميد كلية آداب بنمسيك بالدار البيضاء، محمد المختار ولد أباه، ومولاي أحمد العراقي وغيرهم. ومن رجال القضاء عبدُ المجيد غميجة القاضي المتعددِ المسارات في المحاكم المغربية  ابتدائيا واستئنافيا وتجاريا، ثم رئيسا لديوان وزير العدل ومديراً لمديرية الدراسات والتعاون بنفس الوزارة فكاتبا عاما، ثم مديرا عاما  للمعهد العالي للقضاء، ومن رجال الصحافة خالدُ الجامعي، وعبد الهادي المنوني، ووجيه فهمي صلاح، ومن الأستاذات الجامعيات فاطمةُ الجامعي الحبابي وثـريا لـهي.
 - ثـالـثا : من السيدات المترجم لهن نفيسةُ أبوزيد الفنانة التشكيلية، وأمينةُ رشيد الفنانة الممثلة، وعائشة الشنـا الفاعلة الجمعوية، والمناضلتان البرادلي، ومن الموسيقيات، سعادُ شوقي، وغـيرُهـن. 
ـ رابعـأ : كان للفنانين والموسيقيين  حظٌّ  في هذه المعلمة منهم الحاج أحمد بيرو وعبد المنعم الجامعي، محمد الغاوي، فتح الله المغاري.
ـ خأمـسا : الأجـانبُ المتَرْجَمُ لهم، وقـد بلغ عددُهُم تسعا، منهم فومي أوجين، الذي عاش في المغرب وعمل في إدارته، وفيك كارل الذي أدار القنصلية الألمانية بالدار البيضاء، ميتجانا رفايـيل، هيمنس كونستان وغيرهم.   
ـ سـادسا : التعريف بالألعاب الأولمبية، المغربُ وكأسُ العالم مـنـفـذٌ للتعريف ببعض رموز الرياضة كعبد المجيد ظلمي، وحميد الهزاز.  
والخلاصة أن هذا العدد عَـرَّفَـنـا على العديد من الأعلام ممن كانت لهم حظوةٌ في المغرب بمنجزاتهم وعطاءاتهم على اختلافها، فالتعريفُ بهم والكتابةُ عنهم تُضيءُ جوانبَ خـفيةً من حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية للأجيال الشابة التي تُعْـقَـدُ عليها الآمال لبناء مغرب الغـد كما نتمناه.  
                                                  الرباط، في يوم السبت 17 مايو  2025
                                                                  الأستاذة نجاة المريني 
 

كلمة الأستاذ مصطفى الشابي

في صبيحة يوم السبت 14 يناير 2023، انعقدت جلسة علمية برحاب الـمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بغاية تقديم مواد وموضوعات الـمجلد 31 من موسوعــة "معلمة المغرب". وجريا على هذه العادة الحميدة التي كان قد ارتآها مؤسس الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر الأستاذ محمد حجي، رحمه الله، عند صدور أول مجلد من الموسوعة المذكورة سنة 1989، ها نحن اليوم نقوم بنفس العملية بمناسبة صدور المجلد 32، حيث يقدم مواده وموضوعاته الزملاء أعضاء المكتب المسير لجمعيتنا نجاة المريني، ونفيسة الذهبي، وإدريس شحو، والباحثة المتميزة السيدة بلكامل البضاوية، كل واحد منهم حسب تخصصه العلمي ومجال تدريسه بالجامعة.  
وسیراً، أيضا، على الخطة التحريرية في "معلمة المغرب"، فإننا حرصنا على تضمين العدد الثاني والثلاثين الذي نحن بصدد تقديمه في جلستنا هذه، نماذج معبرة ومتنوعة من النابهين من المغاربة الذين رحلوا عنا إلى دار البقاء، رحمهم الله، قصدنا من خلال ذلك التذكير والتعريف على نطاق واسع، ولا سيما في صفوف الشباب، برجالات بصموا الحياة الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، في وقتهم، خلال الستة عقود الماضية، أي منذ ستينات القرن الماضی وحتى توفاهم الله، أذكـر منهم، هنا، على سبيل الاستئنـاس لا الحصـر، المرحومين بكـرم الله، عباس بن عبد الله الجراري، وعبد الواحد الراضي، وعائشة الشنا، ومحمد نوبير الأموي، ومحمد الحبابي، وعبد الرحمن بن محمد أنگاي، أحد الناشطين في الحركة الوطنية في شمال المغرب، وأول رئيس للديوان الملكي غداة استقلال المغرب سنة 1956، والممثلة أمينة رشيد، والرسام حسن الـﮔـلاوي، ومحمد بن أحمد بن شقرون المراكشي والأستاذ الجامعي المتميز، المتضلع في شتى مناحي الثقافة العربية الإسلامية والحضارة المغربية، والمختار ولد أبـــاه...
وفي المجلد أيضا، ذكر لعدد من المنجزات الكبرى تم تشييدها في السنوات الأخيرة في مجال البنية التحتية كميناء طنجة المتوسط، أو محطة نور بمدينة ورزارات لتوليد الطاقة النظيفة، أو في قطاع النقل كالقطار فائق السرعة البراق، أو طرامواي الرباط، أو معبر الـﮔرﮔـرات الذي أضحى نقطة اتصال مهمة بين المغرب وموريطانيا، ومنها إلى باقي البلاد الإفريقية جنوبي الصحراء.
ويجد القاریء، وهو يتجول في ثنايا المجلد 32 مادة مفيدة وممتعة حول المنتزهات الطبيعية الجميلة المنتشرة في ربوع المغرب، كمتنزه أقشور الممتد في المجال الترابي بين مدينتي شفشاون وتطوان في اتجاه واد لاو، أو جيوبارك مـﮔـون، أو مُـنتجع كابُــو نيـﮔـرو...
وفي هذا المجلد 32 من "معلمة المغرب" بحوث و دراسات حول التنوع الطبيعي، والنباتي، والحيواني الذي ينفرد به المغرب دون غيره من أقطار المنطقة التي ينتمي إليها، كغابة ابن سليمان، وسلالات أغنام بنی ﮔـیل، وتمحضيت، والصردي، وصيد السمك الشابل في نهر أبي رقراق في الفترة ما بين 1702 و1994، وما صار عليه هذا النشاط فيما بعد.
هذا، وإنه ليسعدني جداً أن انتهز الفرصة لأتقدم بصادق عبارات الشكر والامتنان إلى الزملاء الأساتذة والباحثين الذين أمدونا بالمواد والموضوعات المعالجة في المجلد 32، راجيا منهم ومن غيرهم الاستمرار في إغناء رصيدنا المعرفي في كافة المجالات حول بلدنا الأمين، بثمرات تفكيرهم واجتهادهم. وأحب، أيضا بهذه المناسبة، أن أذكر أنه لمن الواجب علينا، نحن الذين ورثنا هذا الإنجاز الثقافي العظيم، والذي يُعتبر بحق منارة مشعة علميا، وثقافيا، فريدة من نوعها وطنيا، وجهويا، بل وعربيا أيضا، أن نعترف بالجميل لذوي الفضل والأيادي البيضاء على جمعيتنا، إذ لولا دعمهم المعنوي والمادي، ما أمكننا مواصلة إصدار "معلمة المغرب"، بل ما أمكنها، قط، البقاء في المشهد الثقافي المغربي، وأقصد هنا، السيدين المحترمين أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومحمد المهدي بنسعيد، وزير الثقافة، والشباب، والتواصل. والشكر موصول، أيضا، إلى الأستاذ أحمد بوكوس، مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تفضل باستضافتنا بكل تلقائية وأريحية في هذه البناية الفسيحة الأرجاء والجميلة العمران. 
وفقنا الله إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وأمدنا بعونه، وشملنا بستره حتى نواصل عملنا ونؤدي مهمتنا على أحسن وجه، في كنف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، والسلام.
 
                                                                    الرباط، في يوم السبت 17 مايو 2025
                                                                             الأستاذ مصطفى الشابي
                                                              رئيس الجمعيـة المغربية للتأليف والترجمة والنشر

الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر

ASSOCIATION MAROCAINE POUR LA PRODUCTION LITTERAIRE, LA TRADUCTION ET L’EDITION

رقم الحساب البنكي : 011810000001210006134464:RIB

لنتواصل
تابعنا

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي


جميع الحقوق محفوظة للجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر © 2025

تصميم و تطوير Linkstom Group